الأندلس بعد موقعة العقاب.. سقوط قرطبة.. نهاية دولة الموحدينفي موقف مدَّ في عُمر الإسلام في بلاد الأندلس بضع سنوات ظهرت بعض الأمراض في الجيوش القشتالية، وهذا الذي اضطرهم إلى العودة إلى داخل حدودهم[1].
ظهور دولة بني مرين:
وفي سنة (613هـ=1217م) وبعد موقعة العقاب بأربع سنوات، ونظرًا لتردِّي الأوضاع في بلاد المغرب العربي، وتولِّي المستنصر بالله أمور الحُكم، وهو بعدُ طفل لم يبلغ الرشد، ظهرت حركة جديدة من قبيلة زناتة في بلاد المغرب واستقلَّت عن حكم دولة الموحدين هناك، وأنشأت دولة سنية هي دولة بني مرين، والتي سيكون لها شأن كبير فيما بعدُ في بلاد الأندلس[2].
سقوط ميورقة وبياسة:
وفي سنة (626هـ) سقطت جزيرة ميورقة، أكبر وأفضل جزر البليار، وبعد قليل تبعها سقوط بياسة، وهي صغرى جزر البليار، وبقيت الجزيرة الوسطى (جزيرة منورقة) دهرًا تحت حكم المسلمين لكن تحت طاعة النصارى وفي حكمهم[3].
ظهور دولة الحفصييين:
وفي العام التالي (627هـ) استقلَّ بنو حفص بتونس، وانفصلوا بها عن دولة الموحدين[4].
الصراع داخل الموحدين:
وقد دار صراع شديد على السلطة بعد وفاة المستنصر بالله؛ حيث لم يكن قد استخلف بعدُ، فتولَّى عمُّ أبيه عبد الواحد من بعده، إلاَّ أنه خُلع وقُتل، ثم تولَّى من بعده عبد الله العادل، وعلى هذا الحال ظلَّ الصراع، وأصبح الرجل يتولَّى الحُكم مدَّة أربع أو خمس سنوات فقط ثم يُخلع أو يُقتل، ويأتي غيره وغيره، حتى سارت الدولة نحو هاوية سحيقة.
استقلال ابن هود:
وفي سنة (625هـ=1228م) استقلَّ رجل يُسَمَّى ابن هود بشرق وجنوب الأندلس، وكان كما يصفه المؤرخون: مفرطًا في الجهل، ضعيف الرأي، لم يُنصر له على النصارى جيش[5].
وفي سنة (633هـ=1236م) حدث حادث خطير ومروع، إنه حادث سقوط قرطبة حاضرة الإسلام[6].
سقوط قرطبة:
في موقف لا نملك حياله إلاَّ التأسُّف والندم، في سنة (633هـ=1236م) وبعد حصار طال عدَّة شهور، وبعد استغاثة بابن هود الذي كان قد استقلَّ بدولته جنوب وشرق الأندلس، والذي لم يُعِرِ اهتمامًا لهذه الاستغاثات؛ بسبب كونه منشغلًا بحرب ابن الأحمر، ذلك الأخير الذي كان قد استقلَّ-أيضًا- بجزء آخر من بلاد الأندلس، في كل هذه الظروف سقطت قرطبة، سقطت حاضرة الإسلام في بلاد الأندلس.
سقوط قرطبة وكان أمرًا غاية في القسوة حين لم يجد أهل قرطبة بُدًّا من الإذعان والتسليم والخروج من قُرْطُبَة، وكان الرهبان مصرِّين على قتلهم جميعهم، لكن فرناندو الثالث ملك قشتالة رفض ذلك؛ خشية أن يُدَمِّرَ أهلُ المدينة كنوزها وآثارها الفاخرة، وبالفعل خرج أهلها متَّجِهين جنوبًا تاركين كل شيء، وتاركين حضارة ومنارة ومجدًا عظيمًا كانوا قد خَلَّفوه[7].
سقطت قرطبة التي أفاضت على العالم أجمع خيرًا وبركة، وعلمًا ونورًا، سقطت قرطبة صاحبة ثلاثة آلاف مسجد، وصاحبة ثلاثة عشر ألف دار، سقطت قرطبة عاصمة الخلافة لأكثر من خمسمائة عام، سقطت قرطبة صاحبة أكبر مسجد في العالم، سقطت جوهرة العالم قرطبة.
سقطت قرطبة في 23 من شهر شوال لسنة 633هـ.. سقطت وفي يوم سقوط قرطبة تحوَّل مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وما زال كنيسة إلى اليوم، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله!
سقوط ممالك الأندلس:
موقعة أنيشة وسقوط بلنسية:
بعد سقوط قرطبة وفي سنة (635هـ=1237م) استقلَّ بنو الأحمر بغرناطة بعد موت ابن هود في السنة نفسها، وسيكون لهم شأن كبير في بلاد الأندلس على نحو ما سنُبَيِّنه، وفي سنة (636هـ=1237م) وبعد استقلال ابن الأحمر بغرناطة بسنة واحدة، وبعد حصار دام خمس سنوات متصلة سقطت بلنسية على يد ملك أراجون بمساعدة فرنسا.
وكان حصارًا شديدًا كاد الناس أن يهلكوا جوعًا، وكان خلاله عدَّة مواقع؛ أشهرها موقعة أنيشة سنة (634هـ=1237م) التي هلك فيها الكثير من المسلمين من بينهم الكثير من العلماء.
وكان بنو حفص في تونس قد حاولوا مساعدة بلنسية بالمؤن والسلاح، لكن الحصار كان شديدًا، حتى اضطروا لترك البلد تمامًا في سنة (636هـ=1239م) وهُجِّر خمسون ألفًا من المسلمين إلى تونس، وتحوَّلت للتَّوِّ كلُّ مساجد المسلمين إلى كنائس، وكانت هذه سياسة مُتَّبَعة ومشهورة للنصارى في كل البلاد الإسلامية التي يُسيطرون عليها، إمَّا القتل وإمَّا التهجير[8].
سقوط دانية وجيان:
سقطت دانية 641هـ وسقطت جيان 643هـ ولم يبق من بلاد الأندلس سوى ولاية غرناطة وولاية إشبيليةوفي سنة (641هـ=1243م) سقطت دانية بالقرب من بلنسية[9]، وفي سنة (643هـ=1245م) سقطت جيان[10]، وهكذا لم يبقَ في بلاد الأندلس إلاَّ ولايتان فقط؛ ولاية غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، وولاية إشبيلية في الجنوب الغربي، تمثلان حوالي ربع بلاد الأندلس[11].
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن كل ولايات إفريقيا قد استقلَّت عن دولة الموحدين، فسقطت بذلك الدولة العظيمة المهيبة المتسعة البلاد المترامية الأطراف.
[1] الحميري: الروض المعطار، ص6، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/124.
[2] تاريخ ابن خلدون، 6/251.
[3] حتى سقطت سنة 686هـ.
[4] السلاوي: الاستقصا، 2/240.
[5] انظر: ابن الخطيب: أعمال الأعلام، ص278، وتاريخ ابن خلدون، 4/168، والمقري: نفح الطيب، 1/215، 4/464.
[6] تاريخ ابن خلدون، 4/169، والحميري: الروض المعطار، ص459، والمقري: نفح الطيب، 1/448.
[7] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 6/424.
[8] تاريخ ابن خلدون، 4/176، والمقري: نفح الطيب، 4/460.
[9] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص61.
[10] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 6/468.
[11] انظر: المقري: نفح الطيب، 1/206.
الكاتب: د. راغب السرجاني
المصدر: موقع قصة الإسلام